مساهمة متواضعة موجزة جرى إعدادها لكلمة في مؤتمر كلية دجلة الجامعة بهذا العنوان، حيث التركيز على أهمية العربية ليس أداة وسيطة وآلة صماء بل طاقة لصنع الهوية وتمكين العقل العلمي من بناء الشخصية التي تنتمي للعصر عبر أدوات الحداثة في التعليم والتعلّم الأمر الذي يدفع لاعتماد التعليم الإلكتروني ومنهج الحوار والتحليل والتركيب في مهمة البناء والتقدم.. وإليكنّ وإليكم هذه الومضة العجلى التي تشكل نداءً أكثر منه استيفاء البحث أركانه إنها عنوانات بهية لإطلاق فرص البحث والاستجابة بما يحمل المهمة
العربية والتعليم الألكتروني
يُقال: إنّ مساهمة العربية في النت لم تتجاوز الـ3% منذ سنوات مع أنّ تسلسلها عالميا وضعها بين اللغات الرسمية المعتمدة في المنظمة الدولية ومؤسساتها. كما يُقال: إنّ نسبة 97% من تلك المساهمة تقع في مجال الدردشة الفارغة في أغلب مضامينها. ليبقى 0.03% هو المساهمة العلمية المفيدة للعربية. طبعاً لا أتحذث هنا عن التضخم والتضخيم لأغراض دعائية بشأن المنجز كما لا أزعم دقة لأي من الإحصاءات المعتمدة…
فهذا المدخل يؤكد أن الإحصاءات هي من جهة أولى غير دقيقة، ولكنها من جهة أخرى وبأفضل أحوال قراءتنا لها، تؤكد تنحّي جهد العقل العلمي المنتج بالعربية. فبعضه يقدم منجزه باللغات الأخرى وبعضه لا يضع منجزه في شبكة الإنترنت لأنه بالأصل ينظر شزراً إليه ويراه كما تصفه الإحصاءات وصيغ قراءة دلالاتها ونهج توظيفها..
الحقَّ أقولُ: إنَّ المكتبة الإلكترونية العربية مازالت في طور النشأة.. وهي تعتمد مصادر بلغات أخرى، بشكل جوهري. وأن البحث العلمي بالعربية مازال مَن يحيطُ به ويتصلُ بنشره يشعر بدونية عند التعامل معه، مرة بما يخص مضمونه ومرات بما يخص علاقته بالميداني الحياتي وقدرة التأثير وكونه أصيلا أم غير ذلك..
لكنّ أول المعنيين بالموقف من دَور العربية في التحديث بعامة هو مراكز البحث العلمي من جهة والجامعات والمعاهد الدراسية واختيار أيّ منهما نهج الكتاتيبي الملائي أو نهج التفعيل والحوار. وإن كانت هناك من محاولات تحديث فهي تلك التي قبلت على مضض إدخال استفادة ثانوية أو هامشية من المصادر ومن مراجع الإلكترونيفي إطار نظام التعليم التقليدي، حتى الآن!
وعلى الرغم من أن تحديث نُظم التعليم وظهور التعليم عن بُعد بخاصة التعليم الإلكتروني ليس بجديد مع امتداده لعام 1729 في دروس (Caleb Philips) التي ظهرت بصحيفة بوسطن جازيت ثم راديو جامعة بنسلفانيا 1922 وتلفزيون جامعة ستانفورد 1968 فدخول الكومبيوتر 1982 وظهور شبكة الإنترنت 1992 وإدارة التعلّم (المغلقة بطابعهاLMS) 1999 لندخل في العام 2002 دور معهد مساتشوستس للتكنولوجيا ومقرراته المفتوحة على أكثر من 65 مليون مشترك (MIT Open Course Ware) فأكاديمية خان 2008 على الرغم من هذا التاريخ الممتد على قرنين من الزمن إلا أننا عراقيا وربما بكثير من بلدان الشرق الأوسط لم نعترف بالتعليم الإلكتروني نمطا تعليميا مكتملا مستقلا قادرا على حمل رسالة التعليم الأحدث والأنجع…!
لقد ظهر هذا النظام الأحدث في التعليم مع اكتساب التكنولوجيا دورها الميداني الفاعل ومع تبني اللغات العالمية الناشطة إنتاج المعارف والعلوم لتلك التكنولوجيا أداة تعليمية بعد مغادرة النظم التقليدية ليس لسبب طارئ كما هو حال الكورونا وفرض تعليمات العزل المنزلي بل توظيفا مُنتِجا لأحدث تكنولوجيا العصر ولمناهج التعليم والتعلم الأكثر نجاعة..
هنا صار للتعليم الإلكتروني قوانين ناظمة مستقلة وقد دخلت بعض بلدان الشرق الأوسط وكنتُ شخصيا مبادراً في تطبيق هذا النمط التعليمي بأول بادرة من المهجر فيما نضَّجتُ مقترحاً لقانون للتعليم الإلكتروني ونشرته منذ 2008 في موقعي الخاص وفي موقع جامعة ابن رشد للتعليم الإلكتروني وبمواقع عديدة أخرى فضلا عن تقدمي بمشروع التعليم الإلكتروني للجان التعليم في بغداد وأربيل على الرغم من أن الاستجابة لم تكن بالمستوى المؤمل في حينه [أي قبل سنوات] على أقل تقدير حتى صارت نسيا منسيا لتأتي مبادرات جديدة آمل لها كل النجاح والتوفيق…
إننا نبقى اليوم لكي نقول إنّ: اللغة العربية في وضع مناسب لدورها التاريخي بحاجة لقرار نوعي استراتيجي بتوظيف التكنولوجيا المعاصرة وتحديدا منها نظام التعليم الإلكتروني والتعلّم أيضا. فهذه قضية إشكالية تتعلق عندما أدعو لموقف استراتيجي أو إقرار بتوظيف الإلكتروني (تعليما وتعلّماً) فهي قضية هوية الشخصية وانتمائها لمنطق العصر ومن ثم للعقل العلمي ومفرداته نهجا وخطىً وجودية..
الأمر الذي يتطلب منا إصدار القوانين المناسبة بالخصوص، ومحو الأمية التكنولوجية وتوظيف عناصر الخبرة الهندسية التكنولوجيية دعما لمهام هذا النظام التعليمي الأحدث والأنجع أي الأبعد من تبادل أو تناقل المعارف والعلوم وأقصد بناء العقل بناء ينتمي لقدرة العطاء العلمي ومعاني تفوقه من جهة ومشاركته في الإنجاز من جهة أخرى.
وبالمناسبة فإنّ موضوع تكافؤ الفرص في تمكين التعليم والتعلّم الإلكتروني، ليس غريبا على هذا النظام مثله مثل التعليم التقليدي. حيث نحتاج إلى توفير البنية التحتية من كهرباء وإنترنت وأجهزة إلكترونية وبرامج متخصصة فضلا عن محو الأمية فيها فإذا كان التعلّم جهدا فرديا فإن التعليم جهدٌ جمعي وهما بحاجة لمكافحة استسهال الوقوع بفخاخ الاستعمال السلبي وحتى الإدمان على دردشة هي ليست مضيعة وقت حسب بل اختلاق لمشكلات ومعضلات اجتماعية ونفسية عويصة…
بينما نشر الأداء الإيجابي للإنترنت سيعني حتما وجود الحكومات الإلكترونية الافتراضية وولوج الرقمنة في مؤسساتها وعموم الاتصالات الإيجابية المثمرة المنتجة.. كما سيُنهي هذا الفعلُ ظواهرَ الإدمان السلبية خارج نطاق العقل الخلاق حيث تكون حتى الألعاب في مكانها وحدودها وأسقف ممارستها..
لقد تأسست عدد من المشروعات والمؤسسات التعليمية بخاصة في المهجر بعنوان جامعات التعليم الإلكتروني وإذا كانت لغة انعدام الثقة قد تمّ وضعها في الواجهة من طرف جهات رسمية بعينها تجاه هذي الفعاليات المهمة فإن الصحيح بعد ظروف كورونا أن يتم تسجيلها مبدئيا بالاستناد إلى ذخيرتها من البحث العلمي ومجلاتها التخصصية وخبراتها بهذا الميدان مع رصد تلك الذخيرة وحجم التزامها عبر وجود قوانين مرعية بات لزاماً إصدارها اليوم قبل الغد لمتابعة الحراك وضبط الأداء التعليمي بسلامة نهج واشتغال ومخرجات…
وبهذا سنجد اغتناء المكتبة الرقمية العربية بالمنجز البحثي العلمي أشير على سبيل المثال لا الحصر لمنجز أحد المجلات العلمية التي قارب نشرها الـ500 بحث علمي وذلك على سبيل المثال لا الحصر أغلب ما تمّت معالجته بميدان الدراسات الأدبية والنقدية وميادين الجماليات الإبداعية في العلوم الإنسانية ما يُثري تلك المكتبة التي احتوت هذا المنجز بل تفاعلت معه وأغنته وأثْرَتْه جهود علماء العربية بقراءات ميدانية مؤثرة، إذ اشترطت تلك المجلة العلمية الاشتغال على الميداني بأغلب معالجاتها البحثية وتشريح أوضاع بلداننا ومجتمعاتنا بصورة تبني وتساهم بحركة التقدم..
ونبقى جميعا بحاجة للتفاعل من منطلق يبدأ أولا بالقانون وتعليمات العمل والاشتغال ولجان التدقيق والمتابعة ثم الاحتفال بالمتميز وبأفق تكريم المتقدم\المتميز بمساهماته ومعالجاته..
إن تكرار الدورات التدريبية في التعليم الإلكتروني وإعداد الإدارات والعناصر التعليمية التدريسية موضوعٌ جد مهم في منطلق مهامنا لاعتماد هذا النظام إلى جانب ما ذكرناه من إصدار قانون التعليم الإلكتروني وشرعنتهوالاستثمار في بناء الإنسان وتوفير تكافؤ الفرص بتسهيل حصول ذوي الدخل المحدود على الأجهزة والبرامج بالصورة المناسبة، دع عنك فكرة أو مبدأ أنّ التعليم حق جوهري في بناء الإنسان ومحو أميته ومنع وقوعه في براثن الانفصام عن العصر والحداثة وبالتأكيد عن هوية بذرتها اللغة أؤكد هنا على دور العربية لسان حال الشخصية وانتمائها ومن دون تلك الهوية يبقى العقل بعيدا عن ربط المنجز العلمي له بالواقع المحيط خلا خطى شكلية ظواهرية خارجية بلا معنى في إحداث التغيير النوعي .. فهلا تنبهنا
قبل التوقف في هذا الموجز أشير لأمرين ظهرا في الحوار هما فكرة ((معالجة الملل في محاضرة التعليم الإلكتروني)) والحقيقة أن تلك السمة تظهر فقط عندما لا نمارس ((التعليم الإلكتروني)) بنضج لأنه بجوهره يقوم على الحوار في ضوء (التحليل) الذي يتشارك فيه المعلم والمتعلم بينما سمة الملل تقوم على اجترار الملَّائية الكتاتيبية في الأداء بالتناقض مع نظام التعليم الإلكتروني ونحن بالضبط لسنا مع مشروعات (الحفظ والتحفيظ) المحنَّطة لأن التحليل ليس بحاجة لضخ معلوماتي مجرد وساذج بل مع تزويد بأدوات التحليل والتركيب وعليه فقضية تعليم لغة لا تقوم على حفظ معجمها عن ظهر قلب فذاك رجم في الغيب لا يبني عبارة دع عنك الجملة وبغض الطرف عن بلاغتها..
إننا نجابه مهمة أو إشكالية ((النهج)) أو منهج العمل من جهة وحداثته كما نجابه موقفا فكريا من اللغة بوصفها محتوى الهوية المقابل لبناء الشخصية في حين بعضنا مازال عن قصد أو من دونه يتعمد اجترار سياقات لم نجدها حتى غند علماء اللغة الأوائل عندنا كما ابن جني يوم أكد إن اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ولم يورد مع هذا التعريف الذي بقي محافظا على سلامته حتى يومنا أيَّ ربط بالدرس الديني المستقل عن الدرس اللغوي.. فمشكلة العربية اليوم بموضع الدراسات العلمية والحداثة فيها بما لا ينقطع عن سليم القراءات البحثية عند علمائنا أما موضوع القدسية والدين وإسقاطات (الفكر السياسي الديني) ومحاولاته اجترار الماضوي خدمة لمآرب غير لغوية لا ترتبط ببناء الشخصية الإنسانية المعاصرة وهويتها أما هذا الموضوع فأمر مختلف نوعيا معرفيا وفكريا ثقافيا أقصد بالدقة بحثيا علميا
واسمحوا لي بالمحصلة أن أضع بعض توصيات في إطار هذا المؤتمر المهم والحيوي في ربطه بين العربية والتعليم الإلكتروني
أقترح التوصيات الآتية:
- إغناء المكتبة الرقمية العربية بالمنجز البحثي العلمي وبالمواد المساعدة في مهمتي: التعليم والتعلّم.
- إصدار قانون التعليم الإلكتروني وشرعنة هذا النظام التعليمي بصورة مستقلة تماماً.
- مأسسة العمل: إيجاد مؤسسات إدارة هذا النظام التعليمي بوزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي ..
- البنية التحتية وتوفيرها: توفير تكافؤ الفرص من خلال السيطرة على الكلفة التي تخص أجهزة الكومبيوتر وتطوير شبكة النت وقدراتها.
- تسجيل المؤسسات التعليمية ومراجعة المنجز ودعم تطويرها لتفعيل أدوارها ميدانيا.
- ربط التجاريب الوطنية بالمستوى شرق الأوسطي والعالمي..
- إطلاق دورات تطوير بنيوية مناسبة